كل ما يجب معرفته عن سرطان الغدة الدرقية

سرطان الغدة الدرقية: المفهوم، الأسباب، التشخيص والعلاج

سرطان الغدة الدرقية هو نوع نادر من السرطان الذي ينشأ في خلايا الغدة الدرقية، وهي غدة صغيرة على شكل فراشة تقع في مقدمة الرقبة. تعتبر الغدة الدرقية جزءاً من الجهاز الغدد الصماء، وتفرز الهرمونات التي تتحكم في العديد من العمليات الحيوية في الجسم، مثل تنظيم درجة الحرارة، وعملية التمثيل الغذائي، والنمو. رغم أن سرطان الغدة الدرقية يعتبر نادرًا مقارنة بأنواع السرطان الأخرى، إلا أن معدلات الإصابة به قد شهدت زيادة ملحوظة في السنوات الأخيرة.

هيكل الغدة الدرقية ووظائفها

الغدة الدرقية هي غدة صغيرة موجودة في الجزء الأمامي من الرقبة وتحت الحنجرة، وتحديدًا أمام القصبة الهوائية. تتكون الغدة من جزئين رئيسيين يعرفان بالفصين، يفصل بينهما شريط من الأنسجة يعرف بالإيسموس. تقوم الغدة الدرقية بإنتاج هرمونات تُعرف بالهرمونات الدرقية، وهي:

1. الثيروكسين (T4): الهرمون الرئيسي الذي يُنتج في الغدة الدرقية.

2. ثلاثي يودوثيرونين (T3): هو الهرمون النشط الذي ينتج بكميات أقل مقارنة بـ T4.

3. الكالسيتونين: يساعد في تنظيم مستوى الكالسيوم في الدم، ولكن دوره أقل أهمية مقارنة بالهرمونات الأخرى.

تؤثر هذه الهرمونات بشكل رئيسي على العمليات الأيضية في الجسم، مثل استخدام الطاقة وتخزينها، والتحكم في نمو الأنسجة، وتنظيم درجة حرارة الجسم.

أنواع سرطان الغدة الدرقية

سرطان الغدة الدرقية هو حالة مرضية تنشأ عندما تبدأ خلايا الغدة الدرقية في النمو بشكل غير طبيعي وتشكل كتلة تعرف بالورم. تنقسم أنواع سرطان الغدة الدرقية إلى عدة أنواع رئيسية، كل منها له خصائص وأسلوب تشخيص وعلاج خاص به:

1. سرطان الغدة الدرقية الحليمي (Papillary Thyroid Cancer)

يعد هذا النوع الأكثر شيوعًا، حيث يمثل نحو 80% من حالات سرطان الغدة الدرقية. يبدأ هذا النوع من السرطان في الخلايا التي تنتج الهرمونات في الغدة الدرقية. من السمات المميزة لهذا النوع أنه ينمو ببطء وعادة لا ينتشر بسرعة إلى أجزاء أخرى من الجسم. على الرغم من أنه قد يعود في بعض الحالات، إلا أن معدل الشفاء منه مرتفع للغاية.

2. سرطان الغدة الدرقية الجريبي (Follicular Thyroid Cancer)

يشكل هذا النوع حوالي 10% من حالات سرطان الغدة الدرقية. يشبه سرطان الغدة الدرقية الحليمي في خصائصه، ولكنه يختلف في الطريقة التي ينمو بها. يمكن أن ينتشر سرطان الغدة الدرقية الجريبي إلى الأعضاء الأخرى مثل الرئتين والعظام، مما يجعله أكثر خطورة من النوع الحليمي. رغم ذلك، يعتبر العلاج مبشراً إذا تم اكتشافه في مراحله المبكرة.

3. سرطان الغدة الدرقية medullary (Medullary Thyroid Cancer)

يعد هذا النوع أقل شيوعًا مقارنة بالأنواع الأخرى، حيث يمثل حوالي 4% من الحالات. يبدأ هذا النوع في خلايا معينة داخل الغدة الدرقية تعرف بالخلايا الجنينية المسؤولة عن إفراز الكالسيتونين. يمكن أن يكون هذا النوع من السرطان وراثيًا في بعض الحالات، ويتميز بقدرة على الانتشار إلى أجزاء أخرى من الجسم في وقت مبكر.

4. سرطان الغدة الدرقية الأنبوبي (Anaplastic Thyroid Cancer)

يعتبر هذا النوع هو الأقل شيوعًا ولكنه الأكثر عدوانية. يشكل حوالي 2% من إجمالي الحالات، وهو معروف بسرعة انتشاره وقلة فرص النجاة منه. هذا النوع من السرطان يصيب عادة الأشخاص في عمر متقدم، وعادة ما يكون التشخيص غير جيد بسبب التقدم السريع للمرض وانتشاره إلى الأنسجة المجاورة.

5. سرطان الغدة الدرقية الوراثي

توجد بعض الأنواع الوراثية من سرطان الغدة الدرقية، وأشهرها هو متلازمة سرطان الغدة الدرقية المتعدد (Multiple Endocrine Neoplasia, MEN). الأشخاص الذين يعانون من هذه المتلازمة يكون لديهم خطر أعلى للإصابة بالسرطان في الغدة الدرقية بالإضافة إلى أمراض الغدد الأخرى.

الأسباب والعوامل المساهمة في الإصابة بسرطان الغدة الدرقية

على الرغم من أن أسباب سرطان الغدة الدرقية غير مفهومة بالكامل، إلا أن هناك عددًا من العوامل التي يمكن أن تساهم في حدوثه:

1. التعرض للإشعاع: يعتبر التعرض للإشعاع أحد أكبر العوامل المسببة لسرطان الغدة الدرقية، وخاصةً التعرض للأشعة السينية في مرحلة الطفولة أو التعرض للإشعاع في مناطق معينة مثل العناية الطبية لعلاج الأورام.

2. التاريخ العائلي: يمكن أن يكون لدى الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من السرطان، خصوصًا في الغدة الدرقية، خطر أكبر في تطوير المرض. يُعتقد أن الجينات يمكن أن تلعب دورًا في قابلية الإصابة.

3. العمر والجنس: يعد سرطان الغدة الدرقية أكثر شيوعًا بين النساء مقارنة بالرجال، ويظهر عادة في الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و 50 عامًا.

4. وجود أورام حميدة سابقة في الغدة الدرقية: قد تكون بعض الأورام الحميدة في الغدة الدرقية، مثل الدُّراق، مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بالسرطان.

5. الالتهابات المزمنة في الغدة الدرقية: مثل التهاب الغدة الدرقية، يمكن أن يزيد من احتمالية الإصابة بسرطان الغدة الدرقية.

الأعراض والتشخيص

الأعراض

من أبرز أعراض سرطان الغدة الدرقية التي قد تظهر على المريض:

• تورم في الرقبة: قد يظهر تورم غير مؤلم في الرقبة بسبب تضخم الغدة الدرقية أو العقد اللمفاوية المصابة.

• صعوبة في البلع أو التنفس: قد يشعر المرضى بصعوبة في البلع أو التنفس بسبب ضغط الورم على المريء أو القصبة الهوائية.

• آلام في الرقبة أو الحنجرة: الألم غالبًا ما يكون غير مفسر، وقد يمتد إلى الأذنين.

• تغيرات في الصوت: يمكن أن يتسبب الورم في ضغط على الأحبال الصوتية، مما يؤدي إلى بحة أو تغير في الصوت.

التشخيص

يتم تشخيص سرطان الغدة الدرقية باستخدام العديد من الطرق والاختبارات:

1. الفحص السريري: يبدأ التشخيص عادة بفحص سريري يتضمن فحص الرقبة للكشف عن وجود أي تورم أو كتل.

2. اختبارات الدم: قد يتم قياس مستويات الهرمونات الدرقية، مثل TSH، وهرمون الكالسيتونين، في الدم لتقييم وظيفة الغدة الدرقية.

3. التصوير الطبي: تشمل الفحوصات التصويرية مثل الأشعة السينية، والموجات فوق الصوتية، والرنين المغناطيسي، والتصوير المقطعي المحوسب (CT)، والتي تساعد في تحديد حجم الورم وانتشاره.

4. خزعة الغدة الدرقية: يعتبر أخذ عينة من الأنسجة (خزعة) من الورم أحد أهم طرق التشخيص التي تساعد في تحديد ما إذا كان الورم خبيثًا أو حميدًا.

علاج سرطان الغدة الدرقية

1. الجراحة

الجراحة هي العلاج الأساسي لمعظم أنواع سرطان الغدة الدرقية. يتم خلالها إزالة جزء من الغدة أو الغدة بأكملها إذا كان السرطان قد انتشر. في بعض الحالات، قد يتم إزالة العقد اللمفاوية المجاورة إذا كانت متورمة.

2. العلاج باليود المشع

بعد الجراحة، قد يحتاج المرضى إلى العلاج باليود المشع (I-131) لتدمير أي خلايا سرطانية متبقية. يتم استخدام هذا العلاج بشكل رئيسي في حالات سرطان الغدة الدرقية الحليمي والجريبي.

3. العلاج الهرموني

بعد إزالة الغدة الدرقية، يحتاج المريض عادة إلى تناول هرمونات الغدة الدرقية بشكل اصطناعي لتعويض الهرمونات التي كانت تفرزها الغدة.

4. العلاج الإشعاعي

في حالات السرطان العدواني أو المتقدم، قد يُستخدم العلاج الإشعاعي لعلاج الورم أو لتقليص حجمه قبل الجراحة.

5. العلاج الكيميائي

يُستخدم العلاج الكيميائي في حالات سرطان الغدة الدرقية المتقدمة، وخاصةً في حالة السرطان الأنبوبي.

التوقعات المستقبلية ومعدلات الشفاء

على الرغم من أن سرطان الغدة الدرقية يعتبر نادرًا مقارنة بأنواع السرطان الأخرى، إلا أن معدلات الشفاء منه عالية جدًا، خاصة إذا تم اكتشافه في مراحله المبكرة. وفقًا للإحصائيات، فإن سرطان الغدة الدرقية الحليمي والجريبي يتمتع بمعدل شفاء يتجاوز 95%، في حين